Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

كل امرئ يدري مواقع رشده

12 mars 2014

إلى الشباب

 إلى الشباب
محمد البشير الإبراهيمي (ت 1384هـ - 1965م)
 
أوجِّه طلائع الحديث في هذه الليلة إلى الشباب الذين هم الساف الجديد في بناء الأمة، والدم المجدِّد لحياتها، والامتداد الطبيعي لتاريخها، وهم الحلقات المحققة لمعنى الخلود الذي ينشده كلُّ حيٍّ عاقل، ويتمناه حتى إذا فاته في نفسه التمسه في نسله، وقربت له الأماني معنى من معنى، فتعلل بالخيال عن الحقيقة، وتسلى بشبه الشيء عن الشيء، ودأب جاهدًا في تدنيته، وتوفير الراحة والهناء والسعادة له، وعلل نفسه بأنه سيرث اسمه وماله، وهو لا يعلم أنه سيموت اسمه، ويبدد ماله، وما زالت التعلَّات صارفة عن اليأس منذ طبع الله الطباع.
 
وأقول: الشباب، ولستُ أعني بهذا اللفظ معناه المصدري في عرف اللغة، ولا ذلك الطور الثالث من عمر هذا الصنف البشري في مقاييس الأعمار، وإنما أعني بهذا اللفظ طائفة من الأناسي انتهوا في الحياة إلى ذلك الطور الثالث بعد الطفولة واليفاعة، فجمعتهم اللغة على شبيبة وشبَّان، ووصفتهم بالمعنى في نحو لطيف من أنحائها، فقالت: شباب وشبيبة، كما وصف القرآن محمدًا بأنه رحمة، وكما وصفت الخنساء الظبية بأنها إقبال وإدبار، ثم جمعتهم سنة التكامل على القوة والفتوة، وجمعهم اتحاد السنِّ أو تقاربه على التعاطف والأُخوَّة، وجمعهم الدين على التكاليف والواجبات، ووقفت بهم الحياة على جددها، تعرض عليهم السعادة في صور ملتبسة بالشقاء، والشقاء في صور ملتبسة بالسعادة، واكتنفتهم الملائكة والشياطين، أولئك يدعونهم إلى الجنة محفوفة بالمكاره، مسوقة بالصبر والألم، وهؤلاء يدعونهم إلى النار ملفوفة بالشهوات؛ مسوقة بالإغراء والتزويق والتزيين، ووقفنا نحن معاشر الآباء من ورائهم، نتمنى لهم، ونتجنى عليهم، ونقترف في حقهم، ولا نعترف بظلمنا إياهم، ونرخي في تربيتهم أو نشدِّد، ولكننا لا نقارب ولا نسدِّد، ونعطيهم من أفعالنا ما نمنعهم منه بأقوالنا: ننهاهم عن الكذب، ونكذب أمامهم الكذب الحريت، وننهاهم عن الرذائل جملة وتفصيلًا، ثم نخالفهم إلى ما ننهاهم عنه، فيأخذون الرذيلة عنا بالقدوة والتأسِّي، ويحتقروننا لأننا قبحنا لهم الكذب بالقول، ثم أشهدناهم بالعمل على أننا كاذبون.
إلى هؤلاء الشباب الوارثين لحسناتنا وسيِّآتنا، المهيئين لخيرنا وشرنا، الحاملين لخصائصنا وألواننا إلى مَن بعدهم من أبنائهم، المتبرمين هنا بحالة هم مقدمون عليها كرهًا، فقد كنا مثلهم شباباً وسيصبحون مثلنا شيوخاً، وسيلقون من أبنائهم ما لقينا نحن منهم، وسيلقى منهم أبناؤهم ما لقوه هم منا، جزاء وفاقاً وقصاصاً عدلاً، وسنة أجراها الواحد القهار، وجرى بها الفلك الدوار – إلى هذا الجيل الذي عودتنا الحياة المدبرة أن نشفق عليه، وعودته الحياة المقبلة أن يشفق منا، أتوجه وإياه أعني، وإليه أسوق الحديث، داعياً له بما دعا له شوقي في قوله:
 
إن أسأنا لكم أو لم نسىء            نحن هلكى فلكم طول البقاء
 
 
متمنياً له ما تمناه له شوقي في  قوله:
 
هل يمدُّ الله لي العيش ، عسى       أن أراكم في الفريق السعداء
 
 
لا أخالف شوقي إلا في التخصيص، فقد خاطب بهذا شباب النيل، وأنا أهتف بشباب العرب، وبشباب الإسلام، أهتف بشباب العرب أن يرعوا حقَّ العروبة، وأن يكونوا أوفياء لها، وأن يعلموا أنها ليست جنسية تميز، ولا نسبة تعرف، وأنها ليست جلدة تسمرُّ أو تحمرُّ، ولا بلدة تعمر وتقفر، وأنها ليست جزيرة يحيط بها البحر، ولا قلادة تحيط بالنحر، وأنها ليست متاعاً مما يرث الوارثون، ولا أرضاً مما يحرث الحارثون، وإنما هي خلال وخصال، وهمم تتشقق عن فعال، وإنما هي بناء مآثر، وتشييد أمجاد ومحامد، وإنما هي مساع من الكرام إلى المكارم، ودواع من العظماء إلى العظائم،  وإنما هي عزائم، لا تعرف الهزائم، وإنما هي عزة وكرامة، وشدة في الحفاظ وصرامة، وإنما هي طموح وجموح: طموح إلى منازل العز، وجموح عن مواطن الذل، وإنما هي رجولة وبطولة، وأصالة وفحولة، وإنما هي طبع أصيل، ورأي جليل، ولسان بالبيان بليل، وعقل على الحكمة دليل، فمجموع هؤلاء هو العروبة، وجامع هؤلاء هو العربي، وما عداه فهو تعلل بباطل، وتعلق بضلال، وتخلق يكذبه الخلق، وخيانة للعروبة في اسمها وفي وسمها، وعقوق للأجداد، كأنما عناهم المعري بقوله:
 
 
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم
بعد الممات جمال الكتب والسير
 
ثم أهتف بشباب الإسلام ليعلموا أنَّ الإسلام ليس لفظًا تلوكة الألسنة المنفصلة عن القلوب، وتتناوله قوانين التعريف بموازينها الحرفية، وتقبله اشتقاقات اللغة على معانيها الوضعية، فينزل به إلى المعاني الوضعية من السلم إلى الاستسلام.. إلا أنَّ في الإسلام الشرعي نوعاً من معنى الإسلام اللغوي، ولكنه أرفع تلك المعاني وأعلاها، هو معنى تتقطع دونه الأفهام والأوهام، معنى لو طاف طائفه بعقول العرب- أهل اللغة قبل الإسلام- لرفع هممهم عن عبادة الشجر والحجر، ولسما بهم حينما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم عن الجدل بالباطل؛ ليدحضوا به الحق: هو إسلام الوجه لله عنواناً لإسلام القوى الباطنة له، هو المعنى الذي خالطت بشاشته قلب نبي التوحيد إبراهيم، فقال: أسلمت وجهي، وتذوقته بلقيس حين هداها الله فقالت: وأسلمت. ألا وإن في الاستسلام نوعاً من المعاني لم يتخيله وضع ولا عرف، ولم يتداوله نقل ولا استعمال، حتى جاء محمد بالهدى ودين الحق، ونقل اللغة من طور إلى طور، هو استسلام الجوارح – وسلطانها القلب – لله ولعظمته وقدرته، وعلمه حتى توحده وحده، وتعبده وحده، وتدعوه في النائبات وحده، وتنيب إليه وحده، وتُذعن إلى سلطانه وحده، وتخشاه وحده، فتستقل عن الأغيار بقدر ذلك الاستسلام إليه، وتحرر بقدر العبودية له ، وتوحد قواها بقدر إفراده بالألوهية، وتعتز بقدر التذلُّل لعظموته، وتنجح في الحياة بقدر اتباعها لسننه، وتصفو من الكدرات الحيوانية بقدر اتصالها به، وتتزكى سرائرها بقدر إيمانها به، وتبعد عن الشرور والآثام بقدر قربها منه، ثم تسود الكائنات بأمره، وتخضع الكون لسلطانها بسلطانه، وتكشف أسرار الوجود بصدق التأمل في آياته، والتفكر في بدائع ملكوته.
 
هذه بعض  معاني هذا الدين العظيم؛ دين الله السماوي، الذي بلَّغه  محمد صلى الله عليه وسلم، وفسره بأقواله، وشرحه بأفعاله، ووسعته لغة العرب، وحمله إلينا الأمناء الهداة، وعصمه القرآن؛ آية الله الكبرى، ومعجزة الدهر الخالدة، وكتاب الكون الأبدي، وكنز الحكمة المعروض على العقول والأفكار، وعلى الأسماع والأنظار؛ لتأخذ منه كلُّ جارحة حظَّها من الغذاء.
 
أيها الشباب: شاع بين الناس مبدأ فطري توارد عليه المحدثون والقدماء، ونصره الحسُّ، وهو أنَّ الكبير قريب من الموت، يغذ إليه السير مكرهاً كمختار، وعجلان كمتريث، ومن ثمَّ فهو قريب من الله، والقرب من الله مدعاة عند العاقل المتألِّه إلى الاستعداد للقائه، والتزوُّد للدار الآخرة بأهبها، وليوم الفاقة العظمى- بالأعمال الصالحة، وقد قال شاعر حكيم، يصوِّر هذا القرب:
وإنَّ امرءاً قد سار خمسين حجةً
إلى منهلٍ من ورده لقريبُ
 
تواضعوا على هذا، وأكثروا فيه القول، وأداروا عليه النصائح والمواعظ للجماعات المتدينة، يزجونها للشيوخ المسرعين إلى الموت، الذين طووا المراحل، ودنوا من الساحل – حتى أوهموا الشبَّان أنَّ الشباب عصمة لهم من الموت، وأنتج لهم القياس الفاسد أنهم بعيدون عن الله، ولا يبعد في نظر المتوسم في غرائب النفوس أن يكون تخصيص الشيوخ الهرمين بتلك المواعظ بعض السبب في اغترار الشبان، وانهماكهم في الشهوات، واسترسالهم مع النزوات، وبعض السبب في إبعادهم عن الله، مضافاً إلى جنون الشباب، وسلطان الهوى، وتنبه الغرائز الحيوانية.
وأنا أرى أن الشبان أحقُّ الناس بذلك الوعظ، وبالتوجيه إلى الله، والتقريب منه، وبالتعهد المنظم، والحراسة اليقظة حتى تكون أقوى الملكات التي تتربى فيهم ملكة الخوف من الله، في وقت قابلية الملكات للثبوت والاستقرار في النفوس، وفي وقت تنازع الخير والشر للنفوس الجديدة، وإنها لكبيرة أن ينشأ الشاب على الخير والاتصال بالله من الصغر، ولكن جزاءها عند الله أكبر، لما يصحبها من مغالبة للهوى في لجاجه وطغيانه، ومجاهدة لغريزة في عنفوانها وسلطانها، ولهذا السر عدَّ صلى الله عليه وسلم الشاب الذي ينشأ في طاعة الله أحد السبعة الذين يظللهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله، وعدَّ الشيخ الزاني أحد الثلاثة الذين يلعنهم الله واللاعنون من عباده؛ لأن المعصية من مثله خالصة لوجه الشيطان لم تصحبها داعية، ولم يخففها عذر، ولم تسبقها مغالبة ولا جهاد.
 
أيها الشباب: ساء مثلاً من أوهمكم أن بينكم وبين الموت فسحة وإمهالاً، لقد علمتم أن الموت لا يخاف الصغير، ولا يعاف الكبير، وأسوأ منه نظراً من توهم أنكم لذلك أبعد عن الله من حيث المعاد، فإنكم أقرب إلى الله من حيث المبدأ، وأنَّ أثر يد الله فيكم لأظهر، وإن المسحة الإلهية على شبابكم لأوضح، وإنَّ أغصانكم الغضة المورقة لمطلولة بأنداء السماء، وقد وخزتها خضرته من كلِّ جانب، وإن نفحات الله لتُشم من أعطافكم وشمائلكم، فلئن كنا قريب من لقاء الله بالموت فلأنتم أقرب إليه بالحياة، ولئن صحبكم الاتصال به في جميع المراحل فيا بشراكم، ولئن كنا نقبل عليه كارهين متسخطين على الموت، فأنتم مقبلون من عنده فرحين بالحياة مستبشرين، فصلوا حبلكم بحبله، واحفظوا عهده، وحذار أن تقطعكم عنه القواطع.
 
أيها الشباب: إن الشباب نسب بينكم ورحم وجامعة، ولا مؤثر في الشباب إلا الشباب، فليكن بعضكم لبعض إماماً، ليعلم المهتدون الضلال.
دينكم – أيها الشباب – لا يفتننَّكم عنه ناعق بإلحاد، ولا ناع بتنقص.
وربكم- أيها الشباب- لا يقطعنكم عنه خناس من الجِنَّة والناس.
وكتاب ربكم - أيها الشباب- هو البرهان والنور، وهو الفلج والظهور، وهو الحجة البالغة، والآية الدامغة، فلا يُزهِّدنَّكم فيه زنديق يؤول، وجاهل يعطل، ومستشرق خبيث الدخلة، يتخذه عضين؛ ليفتن الغافلين، ويلبس على المستضعفين.
 
 
 
إن دينكم شوهته الأضاليل، وإن سيرة نبيكم غمرتها الأباطيل، وإن كتابكم ضيعته التآويل، فهل لكم يا شباب الإسلام أن تمحوا بأيدكم الطاهرة الزيف والزيغ عنها، وتكتبوا في نفوس الناس جديداً كما نزل، وكما فهمه أصحاب رسول الله عن رسول الله، إنكم قد اهتديتم إلى سواء الصراط، فاهدوا إلى سواء الصراط، إنكم لو عبدتم الله الليل والنهار لكان خيراً من ذلك كلِّه عند الله، وأقرب زلفى إليه أن تجاهدوا في سبيله بهداية خلقه إليه.
 
إن تلك الفئة القليلة من أصحاب محمد ما فتحوا الكون بقوة العَدد والعُدد، ولكن بقوة الروح، فانفخوا في هذه الأرواح الضعيفة التي أضعفها الضلال عن طريق الحق- تنقلب ناراً متأجِّجة.
 
حيَّاكم الله، وأحياكم وأبقاكم للإسلام، تذودون عن حياضه، وترودون في رياضه، وللغة العرب تصلون أسبابها، وتردُّون عليها نضرتها وشبابها، ولمواطن الإسلام تصونون عرضها، وتردون قرضها، وتحفظون سماءها وأرضها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اختيار موقع الدرر السنية:www.dorar.net
المصدر: (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي), دار الغرب الإسلامي، ط1، 1997م. ((4/276)).

 

Publicité
Publicité
12 mars 2014

الشاب المسلم بين السلبية والإيجابية

الشاب المسلم بين السلبية والإيجابية
 
الشيخ الدلكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي
 
الحمد لله الأول،  والآخر،  الظاهر،  والباطن؛ الأول فليس قبله شيء، و الآخر فليس بعده شيء،  والظاهر فليس فوقه شيء ، والباطن فليس دونه شيء. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء،  وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم،  الحمد لله القائل في محكم التنزيل : (اقرأ باسم ربك الذي خلق؛ خلق الإنسان من علق) .
أما بعد :
فإن (الإيجابية) و(السلبية) كلمتان شاع استعمالهما في الأزمنة الأخيرة استعمالاً كثيراً على كافة المستويات؛ يستعملهما الصحفيون،  والمؤلفون،  وعامة الناس،  فتجدهم يقولون هذه (ظاهرة إيجابية) وتلك (ظاهرة سلبية) و(فلان إيجابي) و(فلان سلبي). ولا نعلم  لهاتين الكلمتين مدلولاً شرعي،  لكن كما قيل: لا مشاحة في الاصطلاح. فالألفاظ أوعية للمعاني .
الإيجابية : تحمل معاني التجاوب،  والتفاعل،  والعطاء،  والمساهمة،  والاقتراح البنَّاء. والشخص الإيجابي : هو الفرد،  الحي،  المتحرك،  المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه .
والسلبية : تحمل معاني التقوقع،  والانزواء،  والبلادة،  والانغلاق.
والشخص السلبي: هو الفرد البليد،  الذي يدور حول نفسه،  لا تتجاوز اهتماماته أرنبة أنفه،  ولا يمد يده إلى الآخرين،  ولا يخطو إلى الأمام .
وهذا التصنيف،  أمر مشهور في القديم والحديث،  فإن الله قسم الأخلاق،  كما قسم الأرزاق. لكن الذي يهمنا،  في هذا المقام،  واقع الشباب المسلم الذين انتظموا في سلك الدعوة إلى الله،  وحُسبوا من  شباب الصحوة الإسلامية،  فقد يصاب الشاب بداء السلبية،  ويفقد مزية الإيجابية دون أن يشعر. تضمه حلقة ذكر،  فيظن نفسه إيجابياً ويرى أقرانه في الشوارع،  لا يشهدون ما يشهد،  فيقول : هؤلاء سلبيون،  وأنا الإيجابي.
فلا يسوغ أن نخدع أنفسنا،  ونغش ذواتنا،  بل علينا أن نتأكد بصورة حقيقيةٍ،  من واقعنا وحالنا.
إننا حين نرصد هاتين الظاهرتين (الإيجابية)،  و(السلبية)،  في حياة المؤمنين،  فإننا نجد أمثلة نادرة لقوم منَّ الله تعالى عليهم بالإيمان الفاعل،  المتحرك،  الذي نسميه في مصطلحنا المعاصر(الإيجابية). ومن تلكم الأمثلة :
أولاً :قصة مؤمن القرية
قال: الله عز وجل:"وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" لنتأمل حال هذا الرجل الداعية،   من خلال عدة وقفات :
الوقفة الأولى :(وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)  جاء من مكان بعيد؛ لم يمنعه بُعد المكان أن يأتي ليبلغ دعوته،  وينشر معتقده،  فقد جاء من أقصا المدينة! فلم يقل: الشُّقة بعيدة،  والمسافة طويلة،  والأمر صعب،  بل اطرح جميع هذه المعوقات. هذه واحدة.
والوقفة الثانية: إنه جاء (يَسْعَى) ولم يأتي ماشياً! فإن ما قام في قلبه من الحماس، والحمية،  والحركة،  والرغبة،  في نقل ما عنده إلى الآخرين،  حمله على أن يسعى.
الوقفة الثالثة : (من أقصا المدينة) وعادةً،  لا سيما في الأزمنة السابقة،  لا يسكن  أقصا المدينة إلا بسطاء الناس،  وضعفاؤهم،  وفقراؤهم،  فلم يمنعه ما هو عليه من شظف العيش ودنو المنزلة الاجتماعية،  من أن يجهر بدعوته .
الوقفة الرابعة : "قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ"كلمة ً صريحةً،  واضحةً،  صرخ بها بين ظهراني قومه. ولربما كان هذا الإنسان قبل أن يمن الله تعالى عليه بالإيمان،  لا يقوى أن يرفع طرفه إلى الملأ من قومه،  مما يجد في نفسه من الشعور بالذلة والمهانة،  فهو ليس
من علية القوم،  يعيش في قصر في قلب البلد،  لا وإنما يعيش في ضواحيه،  وأطرافه وكما قال بعض المفسرين: أنه كان يعمل (إسكافاً) وهي مهنة بسيطة دنيئة. لكن الإيمان الذي وقر في قلبه،  حمله على أن يشعر بعزة الإيمان،  واستعلائه،  فيصيح  بين ظهراني قومه،  قائلاً: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ"،  دون سابق ممارسة،  واعتياد. وإنما يتكلم الإنسان،  ويمتلك الشجاعة الأدبية،  لما يقوم في قلبه من الإيمان العميق بالحق الذي يعتقده. فلماذا نتلجلج أحياناًً؟ ولماذا نتلكأ؟ ولماذا نحجم؟ إن هذا ناتج عن ضعف الإيمان،  وبرودة المعاني التي نعتقدها،  أما إذا حَيَت في قلوبنا هذه المعاني،  فإنها ستظهر على فلتات اللسان،  وحركة الأبدان،  للتعبير عنها.
الوقفة الخامسة :"اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ": هاهو يناظرهم،  ويجادلهم،  ويشير إلى بعض نقاط الخلاف بين قومه وبين أولئك الرسل الكرام الذين أرسلوا إليهم،  ثم يسوق الحجج العقلية،  والفطرية،  فيقول:"وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ"
هذا مثال لمؤمن حمله إيمانه الحق الصادق،  على أن يجهر بدعوته،  لا يجمجم،  ولا يهمهم،  وإنما يأتي بها صريحة،  واضحة،  بينة،  في منتديات الناس. إيمان فاعل،  إيمان ناشط،  إيمان واعٍ؛ يدرك تبعاتها،  وآثارها،  وما سوف تجر عليه من مسؤوليات،  لكن ذلك لم يمنعه ولهذا قال ذلك الكلام بين ظهراني قومه،  ونادى بملأ فيه :"إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ "فقتله قومه شر قتله،  حتى ذكر بعض التابعين الذين يروون عن أهل الكتاب أن قومه وطئوه بأقدامهم حتى قضوا عليه،  وقيل أنه قطعوه إرباً.
ولكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد ! يظل الإيمان الفاعل يحمل صاحبه على النصح للآخرين،  قائماً،  فبعد أن بُشِّر:"قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ"! سبحان الله! حتى بعد الموت،  والفوز بالجنة،  لا يزال في قلبه الشعور بالرغبة في العطاء،  الرغبة في البذل،  والنصح للآخرين . ولم يشأ أن يتشفى بهم،  أو يجعل ذلك ذريعةً للنيل منهم،  وإنما تمنى من سويداء قلبه أن يعلم قومه بعاقبته،  لعل ذلك يحملهم على أن يقبلوا نصحه. قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحا،  لا تلقاه غاشا؛ لَمَّا عاين من كرامة الله. وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ"،  وبعد مماته في قوله: " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ"رواه ابن أبي حاتم. قال ابن كثير،  رحمه الله: (ومقصوده: أنهم لو اطلعوا على ما حصل من هذا الثواب،  والجزاء،  والنعيم المقيم،  لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل،  فرحمه الله ورضي عنه،  فلقد كان حريصا على هداية قومه)
ثانياً : قصة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه:
كان يتحاشى،  ويحاذر أن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم،  بسبب تحذير قريش. فلما سمعه،  وأدرك صدقه،  بعقله،  وثاقب نظره،  وفطرته السليمة،  آمن. ولكن الرجل لم يكتم إيمانه في قبيلته (دوس)،  ولم ينكفئ على نفسه،  دون أن يكون له أثر. وإنما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية. فلما أقبل على قومه،  جعل الله له نورا ً بين عينيه. فسأل الله تعالى أن تكون في غير هذا الموضع،  حتى لا يظنها قومه مُثله. فكانت في رأس سوطه. فلما جاءه أبوه قال: إليك عني،  ما أنا منك،  ولا أنت مني! وصنع ذلك مع زوجه،  وقبيلته. فقالوا: ماذا أصابك؟ قال: إني ءامنت بالله،  فإما أن تؤمنوا بما آمنت به،  أو أفارقكم. فلم يزل بهم حتى وافقوه. وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر،  ومعه سبعون من قبيلته دوس! رجل واحد يأتي بسبعين رجلاً،  منهم أبو هريرة!
فلو لم يكن من فضائله،  رضي الله عنه،  إلا أن أسلم على يديه أبو هريرة،  رضي الله عنه،  لكفى. كفى أن أبا هريرة،  أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،  حسنة من حسنات هذا المؤمن الفاعل النشيط،  الذي وقر الإيمان في قلبه،  فظهر على أعماله وسلوكه.
وصف الظاهرة
اسمحوا لي الآن بعد عرض هذين المثلين الإيجابيين،  أن أعرض لوصف مظاهر السلبية،  التي صارت تتفشى في مجتمعات كثير من الشباب الصالحين هذه الأوقات. فقد كان الشباب في مطلع هذه الصحوة المباركة،  فيهم من القوة،  والبذل،  والتضحية،  بالأوقات،  والحماس للدعوة إلى الله عز وجل،  ما هو مضرب المثل. وكانوا قلة يواجهون باللوم،  والتقريع،  وإطلاق ألقاب السوء عليهم. فلم يزالوا صابرين،  ناصحين،  باذلين،  حتى فتح الله على أيديهم،  وكثر المهتدون بسببهم. ثم بتنا نرى جموعاً من الشباب،  يحبون الخير،  ويشهدون مجالسه،  ولكنهم أقل عطاءً،  وأضعف إنتاجاً،  وأثرهم في المجتمع ضعيف. أصيبوا بداء (السلبية).
وهذه الظاهرة تنشأ عبر خطوات؛ فتجد الشاب يعيش في مرحلة ما قبل الاستقامة حياةً ممتلئة،  فعالة،  مؤثرة،  تضج بالعطاء، والحيوية،  والذهاب،  والإياب،  والانشغال،  لكن في مجال الباطل،  والغفلة،  واللهو؛ رحلات متتابعة، سفريات، وزيارات، ومشاريع كثيرة جداً. ثم يلتزم الشاب،  ويجد طعم الراحة الإيمانية،  وتتساقط عنه همومه،  وإشكالاته،  ويحس بالخفة النفسية. وهذه مرحلة طبيعية،  وفرح إيماني صحيح. لكن بعضهم يسيطر عليه شعور بالانسحاب من الحياة العامة،  والعيش في جو مغلق محدود،  لا يتناسب من حيث العطاء مع وضعه السابق،  إذا به يعود منغلقاً على نفسه،  مطأطأ الرأس،  خافت الصوت،  لا ينتج،  ولا يبذل. ويصدق عليه المثل القائل:  (جبَّار في الجاهلية خوار في الإسلام)
ثم تجد أن هذا الشاب الذي أصيب بهذا الداء داء (السلبية) يطمئن نفسه ببعض المسكنات،  فيقول: هاأنذا أساهم مع الشباب في حضور بعض الأنشطة،  وهاأنذا أحضر مناسبات الخير،  وإذا دعيت أجبت. ويعتقد أنه بهذه المساهمات المحدودة،  البسيطة قد أدى ما عليه. يشعر بالاكتفاء،  والامتلاء. وهذا في الحقيقة داء.
ليس المقصود أن تكون رقما فقط، ،  كلا! إنك حينما اهتديت إلى الله عز وجل،  بات المطلوب منك أن تحمل غيرك،  كما حملك غيرك،  وأن تكون فاعلاً،  مؤثراً،  كما كنت قبل ذلك،  لا أن تملأ المجالس،  ويكون دورك فقط الدور الحضوري.
ثم لا يلبث صاحبنا أن تنشأ عنده اهتمامات جانبية،  تافهة،  تكون هي شغله الشاغل. وقد يتعدى الأمر إلى خطر أكبر،  فيقع في الفتور،  إذا طال عليه الأمد كما قال الله عز وجل:"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ"الحديد"،  فيقسو قلبه،  وتموت أحاسيسه،  وانفعالاته الإيمانية،  ولا يستجيب لما كان يستجيب له من قبل. وربما أفضى به ذلك إلى الردة،  والانتكاسة، كما نسمع بين الوقت والآخر: إن فلاناً أصابه شيء، وانتكس والعياذ بالله.
وربما ابتلي هذا الإنسان السلبي،  بمرض آخر خطير،  وهو (حب النقد) و(توزيع التهم) و(الانشغال بتجريح الآخرين). فإنك،  غالباً،  لا تجد من يشتغل بالنقد،  والتجريح،  والوقيعة في الناس،  ولاسيما الدعاة،  والعلماء،  إلا الفارغين. فالفارغون الذين ليس عندهم عمل،  ولا دعوة،  ولا طلب علم،  ولا حسبة،  شغلهم الشاغل أن يتكئ أحدهم على أريكته،  ويشير بأصبعه السبابة،  قائلاً: هذا صح،  وهذا خطأ! وفلان أصاب،  وفلان أخطأ! وربما لم يبلغ بعد أن يحسن تلاوة الفاتحة،  أو يحفظ باباً من العلم .
السلبية في البيت
ففي البيت،  ليس له تميز ،  ولا أثر؛ لا يأمر بالمعروف،  ولا ينهي عن المنكر. وربما قصر في الحقوق الواجبة عليه من البر والصلة. لا يميز أهله بينه،  وبين أخيه غير المستقيم،  بل قد يفوقه بعض إخوانه في نفع أهله. وربما لا يقوم بتعليمهم ما يتعلم،  ولا يجلب لهم الأشرطة،  ولا الكتيبات،  ولا يجلس معهم،  ولا يحدثهم بأحاديث إيمانية،  ولا يناصحهم ولا يسألهم عن ماجريات أمورهم. فهذا لاشك أنه نوع من السلبية.
وليستذكر كل واحد الآن،  ماذا يصنع في بيته ؟ هل أنت شعلة مضيئة ؟ هل أنت زهرة  فواحة،  تنشر أريجها،  وعبقها في كل ركن من أركان البيت ؟ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :(خيركم،  خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)رواه الترمذي. فلماذا نحرص على الخير خارج بيوتنا،  ونهمل بيوتنا،  وهي ألصق بنا،  وأولى ببرنا،  وعطائنا ؟ ! لا شك أن هذا يكشف خللاً في التربية،  والتدين.
السلبية مع الزملاء
في المدرسة،  أو الكلية،  تجد علاقة هذا الإنسان المصاب بداء السلبية،  مع زملائه علاقةً عادية في أحسن أحوالها، لا قدوة،  ولا أخلاق،  ولا تميز. فالمفترض في من يحمل بين جنبيه إيماناً دافقاً،  أن يكون بين زملائه،  الذين هم أصلاً مهيئون لطلب العلم،   داعية،  ومذكراً،  وأن يباشرهم،  و يتعرف على أحوالهم،  ويدعوهم إلى الله،  ويربيهم،  ويتبادل معهم الخبرات،  والمعلومات. يعطي هذا  شريطاً،  ويهدي لهذا كتيباً،  ويتفقد حال هذا،  ويزور ذاك في بيته. إلى غير ذلك من صور التفاعل الإيجابي،  لا أن يقعد ويحتل كرسياً في الفصل،  دون أن يكون له أثر. وربما اجتاح الميدان غيره من دعاة السوء،  واللهو،  والعبث،  فصاروا هم المقدمين،  الذين لهم الكلمة النافذة،  الذين يوجهون مناشط الفصل،  ومناشط المدرسة،  وبرامج الكلية،  وهو يتفرج،  لا يحرك ساكناً،  لا يقدم ولا يؤخر. كما قيل :
ويقضى الأمر حين تغيب تيم          ولا يستأذنون وهم شهود
سائل نفسك: حين تكون عضواً في جمعية النشاط المدرسي،  أو برامج النشاط التي تقام في الكليات،  والجامعات،  هل أنت تقدم الأفكار،  والاقتراحات،  والملاحظات،  والمبادرات؟ فإن هذا لون من ألوان التفاعل و الإيجابية،  أم تكتفي بالحضور الصامت؟
السلبية في المسجد والحي
تجد هذا الشاب الموصوف بالسلبية،  لا ثقل له بين جماعة مسجده،  ولا اعتبار. نكرة من النكرات،  لا يعرفه أحد !  لأنه لا يبذل نفسه،  ولا يسعى في حاجة المسجد،  ولا يساعد جماعته،  ولا يعظ،  ولا ينصح،  بل يأتي ليصلي،  ثم ينصرف سريعاً،  كأنه عابر سبيل. بل إنك تجد أحيانا ً بعض العامة يبذل في هذا المجال بذلاً عظيما ؛ إذا جاء شهر رمضان،  رأيت طائفة من الناس يشتغل في تهيئة المسجد،  لصلاة التراويح،  والعناية بالصوت،  والإضاءة،  وغير ذلك،  وصاحبنا لا ناقة له،  ولا جمل.
سائل نفسك :حين تكون منتمياًً لحلقة تحفيظ القرآن في المسجد،  هل أنت على صلة بزملائك،  تناصحهم،  وترشدهم،  وتثبتهم،  وتحضهم على المواصلة في الحفظ؟  وسائل نفسك : ما هو دورك حيال قضايا المجتمع ؟ أنت عضو في هذا المجتمع،  عضو في هذا البلد،  هل تشعر بالاهتمامات على المستوى العام؟ وهل تحاول أن تصلح إذا سمعت بمنكر،  فتسعى في إزالته بالطرق المناسبة ؟ وإذا سمعت بمعروف شاركت فيه وأيدت ؟ أم أنك تكتفي فقط بتلقي الأخبار،  و تحليلها وينتهي دورك؟
أسباب السلبية
لماذا يقع بعض الشباب في السلبية؟ ما هو السبب الذي جرهم إلى ذلك،  مع أن المنطلق كان صحيحا ؟ هذا يرجع في الحقيقة إلى عدة أسباب منها :
أولاً: عدم الفهم الصحيح  للعقيدة الإسلامية:
كأن يتصور أن الدخول في عقد الإيمان،  يعني أن يكون حاله حال دراويش الصوفية،  الذين يقبعون في الزوايا،  والتكايا. ولا ريب أن هذا فهم خاطئ أساساً. فالعقيدة الإسلامية عقيدة تقوم على الإيمان الصحيح بالله عز وجل،  وما يقتضي ذلك من الدعوة إليه،  والصبر على الأذى فيه. قال تعالى:"إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ "وتواصوا : صيغة مفاعلة،  أي أوصى بعضهم بعضاً. فعلى كل واحد أن يصحح معتقده،  ويفهم دينه على الوجه الصحيح .
ثانياً: اعتقاد الإنسان أن من شروط الإيجابية حصول الكمال:
وهذا عذر مشهور يعلق عليه كثير من الناس تقصيرهم،  وتقاعسهم. يقول أحدهم:  ومن أنا حتى أفعل كذا،  ويتواضع،  ويتمسكن،  ويقول ما عندي من العلم،  وما عندي من الإيمان،  وما عندي من التقوى،  حتى أفعل كذا،  وكذا !  هذا ليس تواضعاً شرعياً،  وإنما هو تواضع بارد مذموم. نعم لا تتكلم بما لا تعلم،  بل تكلم بما تعلم. ولو تأملت لوجدت أن ما تعرف خيراً كثيراً،  تملك أن تدعو إليه. وفي نفس الوقت،  اسعَ لتكميل علمك،  وعملك،  وكلما زاد علمك وعملك زادت مسئوليتك،  وفضلك.
ثالثاً: دعوى أن المبادرة،  مدعاة للرياء:
هذه حيلة شيطانية،  تحول بين الإنسان وبين العمل الصالح. إذا صلحت نيتك الأولى لم يضرك ما قد يقع من ثناء الناس،  أو حصول مغنم،  بادر في هذا المشروع الطيب،  وكن رأساً فيه،  فإذا رأيت من هو أولى منك،  فكن عوناً له. ولكن لا يجوز أن ينظر بعضنا إلى بعض،  ونقول: (من يعلق الجرس)؟ كل منا مطالبٌ أن يعمل قدر وسعه،  فلا يتعلل الإنسان بهذه العلل المقعدة.
رابعاً: التربية الرخوة:
قد يتربى بعض الشباب على منهج تطغى فيه الوسائل على الغايات،  فلا يتربى على منهج جاد،  بل يُنشَّأ على برامج خفيفة،  بسيطة،  ليس فيها حزم،  ولا صبر،  ولا جلد،  ولا ثني ركب.  لابد من الصبر،  والمصابرة في تحصيل العلم،  والتربية،  والدعوة.
كثير من الشباب يدخل في سلك الصالحين بواسطة ما يسمى (الأناشيد الإسلامية)  والبرامج المشوقة،  والجذابة،  وأنا لا أعترض على التدرج،  بشرط أن يكون هذا الأسلوب أسلوباً ملتزماً بالضوابط الشرعية،  ولمرحلة مؤقتة.  ولا يجوز بحال،  أن يُستمَر عليه،  وأن يكبر الشاب وهو لا يعيش إلا على صدح الأناشيد،  والمسرحيات،  والرياضة،  والسباحة،  والرحلات،  ونحو ذلك،  ويستثقل حضور مجالس العلم،  وحفظ كتاب الله . إن هذا المنهج الرخو يخرِّج أفراداً لا يقوون بعد ذلك على المواصلة،  ويكونون سلبيين،  ولا يملكون رؤيةً واضحة. فيجب أن نفرق بين الوسائل و الغايات. هذا في الحقيقة منافٍ للمنهج النبوي في التربية. المنهج النبوي منهج جاد،  متين،  قوي،  وفي نفس الوقت ميسر،  رفيق.
 
الختام
لابد أن نفتش في أنفسنا،  لعل بعض الشباب،  لازال يعيش على  ذكريات الطفولة!  قد كبرت يا عبد الله!
قد رشحوك لأمر لو فطنت له           فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
هذه كلمات،  أرجوا أن تنبه أذهانكم  إلى هذه القضية الخطيرة وأن يراجع كل امرئ  نفسه ويرى حظه من القيام بأمر الإيمان. فمن وجد خيراً فليحمد الله،  ومن وجد غير ذلك،  ففي العمر متسع،  فارجع،  وصحح المسار من جديد.
هذا،  واسأل الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق،  والهدى،  والسداد.
وصلى الله،  و سلم،  وبارك،  على عبده،  ونبيه محمد،  وعلى آله،  وصحبه،  أجمعين.
12 mars 2014

واجبات الشباب المسلم




الإنسان مكلَّف مسؤول

لازال حديثنا موصولاً عن الشباب، في الخطبة الماضية تحدثنا عن الشباب وأهمية مرحلة الشباب، ومسؤوليتنا عن الشباب، ودور الشباب في هذه الحياة، واليوم نتحدث بتفصيل أكثر، تفصيل مناسب عن واجبات الشباب في هذا العصر، واجبات الشباب المسلم، وإنما نركز على الواجبات قبل التركيز على الحقوق، لأن فلسفة الشريعة الإسلامية تعتبر الإنسان مكلفاً بالواجبات قبل كل شيء، الإنسان مكلف مسؤول قبل أن يكون مطالِباً سائلاً، الإنسان في الحضارة الغربية يقول: ماذا لي؟ والإنسان في ظل الرسالة الإسلامية يقول: ماذا عليَّ؟ وإذا أُديت الواجبات فقد رُوعيت الحقوق، لأن كل حق لإنسان هو واجب على غيره، حق المحكوم واجب على الحاكم، وحق المرأة واجب على الرجل، وحق الابن واجب على الأب، وحق الأب واجب على الابن، فإذا أُديت الواجبات، فقد رُعيت الحقوق، ومن هنا نتحدث عن واجبات الشباب المسلم في هذا العصر الذي نعيش فيه، والذي تتصارع فيه الدعوات والأفكار والمذاهب والفلسفات، وهو واجب الشباب المسلم في عصرنا.

 

الشعور بالمسؤولية

أول واجب للشباب المسلم وللشباب المسلم أن يستشعر المسؤولية، أن يعلم أنه مسؤول أمام الله عن هذه المرحلة الحيوية الهامة من عمره، أن الله سائله يوم القيامة "عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه" فعليه أن يُحضِّر لهذا السؤال الخطير جواباً، كيف أنفق سنوات عمره، فيما أضاع هذا الزمان، زمان القوة والحيوية الدافقة، لابد أن يراعي هذا وأن يشعر أنه مسؤول، والنبي صلى الله عليه وسلم وعظ شاباً يوماً فقال له: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" أول ما نصحه به أن يغتنم شبابه قبل هرمه، فهذه هي المسؤولية الأولى، الواجب الأول، استشعار المسؤولية ليست فترة الشباب فترة لهو ولعب، من حق الإنسان أن يلهو اللهو البريء وأن يلعب اللعب المباح، وأن يرِّوح عن نفسه، ولكن ليس من حقه أن يضيع هذا الشباب في العبث والمجون والخلاعة، وأن يقول الشباب شعلة من الجنون، لا .. إن الشباب مرحلة من مراحل الإنتاج والعطاء، هذا هو الواجب الأول.

 

الاعتزاز بالإسلام

الواجب الثاني على الشاب المسلم أن يعتز بهذا الإسلام، ويؤمن بكماله وعظمته وأن الله أكرمه بخير كتاب أُنزل، وبخير نبي أُرسل، وبخير دين شُرِع، أن يشعر بالاعتزاز أنه مسلم، كما كان المسلمون الأولون (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) الرجل الصالح ناجى ربه قائلاً:

وممــا زادني شرفاً وتيهـا

وكدت بأخمصي أطأ الثُريا

دخولي تحت قولك: يا عبادي

وأن أرسلت أحمد لي نبيا

إنه يعتز بهذا، كان أحدهم يقول:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم

وعندما سُئل سلمان الفارسي ابن من أنت؟ وكأن السائل يريد أن يقول له أنت لست من إحدى القبائل العربية، وكان يمكنه أن يقول: أنا ابن فارس، أنا ابن مدينة فارس، أنا ابن كسرى، ولكنه حينما قيل له "ابن من أنت؟" قال "أنا ابن الإسلام" نريد أن نعتز بإسلامنا، الله جعلنا بهذا الإسلام خير أمة أخرجت للناس، جعلنا به أمة وسطاً لنكون شهداء على الناس، ويكون الرسول علينا شهيداً، أي بوَّأنا مرتبة الأستاذية للبشرية كلها، لنكون شهداء عليها، نحن معلمون للبشرية، البشرية كلها في حاجة إلينا، صحيح أن الإنسان في الحضارة الغربية استطاع أن يحلق في الهواء كالطير وأن يغوص في البحر كالسمك ولكنه لم يستطع أن يمشي على الأرض كإنسان، لم يحسن التعامل مع نفسه ولا مع ربه ولا مع غيره، أفلست الحضارة الغربية بما فيها من نزعة مادية مجحفة وإباحية مسرفة، ولذلك أصبحوا يعانون الفراغ العقائدي، القلق النفسي، التفسخ الأسري، التحلل الخلقي، التخبط الاجتماعي، لم تسعدهم هذه الحضارة، استطاع الإنسان أن يصل إلى القمر ولكنه لم يستطع أن يُسعد نفسه على سطح الأرض، هم في حاجة إلى رسالة جديدة، رسالة تعطيهم الإيمان ولا تحرمهم العلم، تعطيهم الآخرة ولا تسلبهم الدنيا، تعطيهم حق التعبد ولكن لا تمنعهم التعامل مع طيبات الحياة، يحتاجون إلى رسالة متوازنة، هذه الرسالة المتوازنة نملكها نحن المسلمين، فعلينا أن نعتبر بهذا، وأن نعرف قيمة أنفسنا، وأول ما يجب عليه هذا الشباب، هذا هو الواجب الثاني.

 

حسن فهم الإسلام

الواجب الثالث: على الشباب أن يحسن فهم الإسلام، يحسن فقه هذا الدين "ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" لا يكفي أن تعتز بالإسلام وتقول نحن المسلمون، ونحن خير أمة، ونحن الأمة الوسط، دون أن تفهم دينك الذي تعتز به، لا بد أن تبذل جهدك في معرفة هذا الدين على حقيقته، إن المسلمين قد أتت عليهم أزمنة شوهوا هذا الدين، ولبسوه كما يلبس الفرو مقلوباً، كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أساؤوا فهمه، جزَّؤوه تجزئة، جعلوه لحماً على وضب، فقطعوه تقطيعاً، والإسلام رسالة شاملة تشمل أمور الدنيا والآخرة، تشمل الحقوق والواجبات، تشمل الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع، تشرِّع للفرد وللأسرة وللمجتمع وللحكومة وللعلاقات الدولية، الإسلام رسالة شاملة للإنسان حتى قبل أن يولد وهو جنين في بطن أمه، وبعد أن يموت هناك أحكام تتعلق بالجنائز، فهي رسالة الإنسان في كل مراحل حياته، ورسالة الإنسان في كل جوانب حياته، لابد أن نفهم الإسلام بهذا الشمول، ونفهمه بهذا العمق، نحن في حاجة إلى أن نفهم الإسلام، ومن فضل الله أن المكتبة الإسلامية حافلة بالكتب التي تقدم الإسلام وتعرض الإسلام، ولكن المهم أن تحسن اختيار ما تقرأ، فليس كل ما تعرضه سوق الكتاب يُقرأ، هناك غثاء كثير، هناك الغث والسمين، هناك الرديء والثمين، أحسن الاختيار، واستشر بعض العلماء الثقات، قال أحد الحكماء: أخبرني ماذا تقرأ، أخبرك من أنت، لابد أن تحسن فهمك للإسلام، إذا أردت أن يريد الله بك خيراً، فتفقه في دينك، بالقراءة، بسماع الأشرطة، بحضور مجالس العلماء، ولكن عليك أن تميز بين ما يُسمع، وما ينبغي أن يُسمع، وما لا ينبغي أن يُسمع، ما يُقرأ وما لا ينبغي أن يُقرأ، هذا هو الواجب الثالث، أن تحسن فهم الإسلام، تحسن المعرفة بهذا الدين حتى تسير في هذا الدين على بصيرة، وتكون على بينة من ربك ومن أمرك، ولذلك كان السلف رضوان الله عليهم يقولون "إن عبادة بلا علم تُفسد أكثر مما تصلح" لا يمكن أن تؤدي العبادة على وجهها إلا بالعلم، قد تؤدى العبادة مع بدع وكل بدعة ضلالة، كيف تعرف المشروع من غير المشروع، المسنون من المُبتدَع، كيف تعرف الحلال من الحرام، كيف تعرف الصواب من الخطأ، هذا لابد من العلم، لابد من حسن الفهم لله ورسوله، هذا هو الواجب الثالث.

 

تخير المنهج الوسط

الواجب الرابع: أن تتخير المنهج الوسط، منهج التوازن والاعتدال، بعيداً عن الغلو والتقصير، كما قال الله تعالى (والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) لا طغيان ولا إخسار، لا غلو ولا تقصير، لا إفراط ولا تفريط، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عن ابن عباس "إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين"، يروى عن ابن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون" المتنطعون المغالون المتعمقون، الذين خرجوا عن حد التيسير الذي جاء به القرآن والسنة، الغلو مهلك، التنطع مهلك، لذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه "عليكم بالنمط الأوسط الذي يلحق به التالي، ويُرد إليه الغالي" المتأخر يجب أن يُلحق به، والذي سبق كثيراً يجب أن يعود إلى الوسط "عليكم بالنمط الأوسط" ويقول الإمام الحسن البصري "إن هذا الدين بين الغالي فيه والجافي عنه" نريد المنهج الوسط للأمة الوسط، نريد من شبابنا إذا فهم الإسلام ألا يغلو فيه، ولا يفرط فيه أيضاً، لا غلو ولا تفريط، نريد أن يهتم بالأصول قبل الفروع، وبالفرائض قبل النوافل، وبالمحرمات قبل المشتبهات، وبالكبائر قبل الصغائر، وبالكليات قبل الجزئيات وبالقطعيات قبل الظنِّيات، أو بالجوهر قبل الشك، نريد أن يفقه الأولويات في هذا الدين، ليست كل تعاليم هذا الدين وتكاليفه في مستوى واحد وفي مرتبة واحدة، هناك في المأمورات: العقائد، وهي في المرتبة الأولى، ثم الأركان والفرائض الركنية، الأركان الخمسة، ثم الفرائض غير الركنية، ثم الواجبات وهي شيء أقل من الفرض وفوق المستحب، ثم المستحبات وهكذا نجد سلماً للمأمورات ينبغي أن نعرف هذا السلم ونفقه أولوياته، وهناك من ناحية أخرى في جانب المنهيات هناك الكفر والشرك بالله تعالى الذي لا يغفره الله بحال (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ثم هناك كبائر المحرمات تأتي بعد ذلك، والكبائر متفاوتة، بعض الأحاديث "ألا أدلكم على أكبر الكبائر" فهناك كبائر وهناك أكبر كبائر، وهناك الصغائر ـ صغائر المحرمات ـ وهناك المشتبهات التي لا يعلمهن كثير من الناس، مرتبة بين الحلال والحرام، وهناك المكروهات، هناك ما هو مكروهاً تحريماً، وهناك ما هو مكروها تنـزيهاً، المكروه تحريماً ما كان إلى الحرام أقرب، والمكروه تنـزيها ما كان إلى الحلال أقرب، هذه المراتب المتفاوتة يجب أن نعيها ولا نخلط بين بعضها البعض، هناك أناس يقيمون معارك من أجل سنة، والإنسان لا يُلام على ترك السنة، الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم "لا أزيد على هذا ولا أنقص" حينما ذكر له الفرائض من الصلاة والزكاة والصيام الخ "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص يا رسول الله" فقال "من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا" لا داعي إذن أن تشعل الحرب وتنصب المعارك من أجل ترك سنة، هناك أناس كل همهم إشعال الحرب من أجل الأمور الخلافية، أتت لك فيها رأي ولغيرك فيها رأي، فلماذا لا تسع غيرك كما وسعك غيرك، لماذا تعتبر رأيك صواباً لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرك خطأ لا يحتمل الصواب، لماذا لا تقول كما قال الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" والاحتمال في كلا الجانبين، احتمال الخطأ في رأي، واحتمال الصواب في رأي غيري يقرَّب المسافة بين الطرفين، نريد من شبابنا أن يتجنب الغلظة والخشونة في الدعوة وأن يتبنى الحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله تبارك وتعالى، وللين والرفق، الله تعالى يقول لرسوله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) نريد أن يتبنى منهج الاعتدال والرفق وما دخل الرفق في شيء إلا زانه، ولا دخل العنف في شيء إلا شانه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في موقف من المواقف شددت فيه على اليهود الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم حين قالوا "السام عليك يا محمد" يعني الموت والهلاك عليك فقالت لهم "وعليكم السام واللعنة يا أعداء الله" فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" قالت: "أولم تسمع ما قالوا يا رسول الله" قال "قد سمعت، وقد قلت وعليكم" فقالوا إن السام هو الموت والهلاك عليك، فقلت علي وعليكم، كما قال الله تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون)، (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون) هكذا كان صلى الله عليه وسلم وهذا الرفق وهذا اللين، كأني ببعض الشباب يقرؤون قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) كأنهم يضعون على الحاء نقطة وعلى السين ثلاث نقاط فيقرؤوها: بالتي هي أخشن، لا بالتي هي أحسن، الخشونة والغلظة في الدعوة لا ينبغي، هذا من منهج التوازن والوسطية والاعتدال الذي ينبغي أن يفهمه الشباب، فإذا فهم دين الله وفقهه، ينبغي أن يفقهه بهذه الصورة وبهذه الطريقة.

 

فهم الإسلام فهماً صحيحاً

ثم هناك واجب خامس بعد ذلك، بعد أن يفهم الإسلام ويفقهه قراءةً وسماعاً وحضوراً، ماذا عليه بعد ذلك، هل الإسلام مجرد ثقافة يمتلئ بها عقل الإنسان المسلم، هل الإسلام مجرد قراءة واطلاع، ربما وجدنا بعض المستشرقين يقرؤون الكثير والكثير من كتب الإسلام، لا لابد مع العلم من عمل، أول آية نزلت في كتاب الله أو أول الآيات التي نزلت في كتاب الله قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم)، الآية الأولى تأمر بالقراءة والقراءة مفتاح العلم، ولكن الآية التي نزلت بعد ذلك (قل يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر * ولربك فاصبر) جاءت الآيات هذه الدفعة الثانية تأمر بالعمل، فالعلم لابد أن يصحبه عمل، العلم النظري وحده لا يكفي، سيكون حجة عليك يوم القيامة، حينما تُسأل ماذا عملت فيما علمت؟ لابد للإنسان أن يحوِّل علمه إلى عمل، أن يؤثر هذا العلم في واقع حياته، أن ينشئ حياة إسلامية صحيحة متكاملة، هذا هو الواجب على الإنسان المسلم، وعلى الشباب المسلم خاصة، العلم للعمل، علم بلا عمل كسحاب بلا مطر، أو كزرع بلا ثمر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العلم الذي لا ينفع، لابد أن ينفع العلم صاحبه، بأن يكون صورة لهذا العلم، مرآة تعكس ما تعلمه من دينه، أما أن يقرأ ويستوعب ولكنه بعيد عن تعاليم هذا الدين، هو في واد وتعاليم هذا الدين في واد آخر، هناك انفصال بين العلم والإرادة، بين العقل والقلب، بين الفكر والواقع، هذا ما لا يجوز، الله تعالى حينما وصف لنا الإيمان في القرآن، وصفه بأعمال جسده في أعمال وأخلاق (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم للزكاة فاعلون * والذين هم لفروجهم حافظون)، (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون * والذين هم على صلواتهم يحافظون) أعمال، فنريد من الشباب المسلم أن يحولوا الفهم والفقه في الدين إلى أعمال بنَّاءة أعمال إيجابية، تنفع نفسه وتنفع المجتمع من حوله، هذا هو الواجب، لا يكفي القراءة ولا يكفي سماع المحاضرات، ولا يكفي الحضور على المشايخ، إذا لم يتحول ذلك كله إلى سلوك، المسلمون في العصور الأولى إنما نشروا الإسلام بأعمالهم وأخلاقهم، لا بكثرة الكلام ولا بكثرة العلم، العمل، السلوك، الأخلاق هي التي نشرت نور الإسلام في العالم، علينا في هذا العصر أن نكون كما كان أسلافنا رضوان الله عليهم، كان عمر رضي الله عنه يستعيذ بالله من المنافق العليم، قالوا: يا أمير المؤمنين كيف يكون منافقاً وعليماً، قال: "عالِم اللسان جاهل القلب" يعني أن علمه على لسانه ولم يصل إلى قلبه ليؤثر فيه، لم يصل إلى إرادته ليحركها نحو الخير ويحفزها إلى عمل الصالحات ويجنبها عمل السيئات، هذا هو المنافق العليم، عالم اللسان جاهل القلب، نريد الشباب المسلم أن يكون مرآة لما فهمه من الإسلام وأن يتجلى ذلك في عمله وسلوكه وأخلاقياته، في سلوكه مع نفسه، في سلوكه مع ربه، في سلوكه مع إخوانه، في سلوكه مع أسرته، في سلوكه مع مجتمعه، في سلوكه مع المسلمين ومع غير المسلمين، في سلوكه مع الإنسان وسلوكه مع الحيوان، حتى تتجلى الرحمة الإنسانية في هذا السلوك، كما قال الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) هذه الرحمة تتجلى في سلوك كل مسلم، ونريد من الشباب أن يكونوا مرآة لهذه الرحمة العامة التي بعث الله بها محمد صلى الله عليه وسلم والذي قال عن نفسه "إنما أنا رحمة مهداة".

 

العمل لخدمة المجتمع

هناك واجب سادس بعد ذلك هو أن يعمل الشاب لخدمة المجتمع، هذا عمل خاص، يعمل لإصلاح نفسه وتكوينها تكويناً متكاملاً، ثم يعمل على خدمة غيره وإصلاح غيره، لابد أن يعمل لخدمة المجتمع الذي يعيش فيه، المجتمع يحتاج إلى سواعد الشباب إلى همة الشباب، لا يجوز للشاب أن يستعلي على المجتمع أنه مثقف وهؤلاء الناس أمِّيون جاهلون، عليك أن تعلم الأمِّي، عليك أن تدرب العاطل إذا كان عندك قدرة على تدريبه، عليك أن توعي الناس التوعية الصحية، عليك أن تنشر في الناس الوعي بالنظافة ووجوب النظافة وإماطة الأذى عن الطريق، على الشباب أن ينزل إلى المجتمع حتى يتعلم المجتمع من جهل، حتى يستنير من ضلال، حتى يعرف طريقه الصحيح، كثير من الشباب في أيام العُطل لا يستفيد من هذه العُطل، هو متعطل، عُطلة كأنما عُطِّل عن كل شيء، ليس له عمل، ينبغي أن نشغل الشباب في هذه العُطل بعمل مثمر، وأعظم الأعمال ثمرة هو العمل لخدمة المجتمع من حوله، الإسلام يجعل أي عمل لخدمة المجتمع عبادة، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، الكلمة الطيبة صدقة، تبسمك في وجه أخيك صدقة، أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، أي عمل تقدمه للناس هو صدقة، ليست كل الصدقات مالية فتقتصر على الأغنياء وأصحاب الثروات، هناك صدقات اجتماعية، صدقات ثقافية، صدقات علمية، يستطيع كل إنسان أن يقدم بها ما يستطيع لخدمة مجتمعه، نحن جزء من المجتمع، فلابد أن نعرف ماذا علينا لهذا المجتمع، حتى ننهض به ونرقى بمستواه، ويتبوأ مكانته تحت الشمس، هذا واجب الشاب المسلم، أن يفكر في خدمة هذا المجتمع ويرقى به.

 

الدعوة إلى الإسلام

وواجب سابع بعد ذلك هو أن يدعو المجتمع إلى الإسلام كما تعلَّم هو الإسلام وفهم الإسلام، عليه أن يعلِّم غيره، وأن يدعو غيره إلى الإسلام، أن يعمل للإسلام كما عمل بالإسلام، لقد عمل بالإسلام وأصبح صورة طيبة، لا يكفي هذا، الإسلام يفرض على كل مسلم أن يدعو غيره، أصلح نفسك وادع غيرك (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) كل مسلم مخاطب بقول الله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من يتأتى خطابه من الأمة، الله تعالى يقول لرسوله (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن ابتعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)، (وأدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) فإذا كنت ممن اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فيجب أن تكون داعياً إلى الله وداعياً على بصيرة، هكذا كل مسلم يدعو إلى الله بما استطاع على اختلاف مستويات الناس ومراتبهم، هناك من يدعو بتأليف الكتب، وهناك من يدعو بإلقاء الخطب، وهناك من يدعو بإلقاء الدروس، وهناك من يدعو بالأسوة الحسنة، بالكلمة الطيبة بالصحبة الصالحة، بترغيب الناس في الخير، على قدر ما يستطيع، كلنا دعاة إلى الإسلام خصوصاً الشباب، الشباب يجب أن يحمل رسالة الإسلام إلى المسلمين في داخل المجتمع الإسلامي وإلى غير المسلمين، إذا كان النصارى يحاولون نشر دينهم في العالم، وجنَّدوا لذلك حوالي خمسة ملايين من المنصرين والمنصرات، خمس ملايين إلا ربع تقريباً، نشروهم في أنحاء العالم، ونحن أصحاب الدين العالمي، والدين الخالد والخاتم، كيف لا نقوم بهذا! يجب أن نهتم بأمر ديننا، أن نجنِّد أنفسنا لهذا الدين، قبل أن ننشره في العالم، يجب أن ننشره في مجتمعنا، أن نوعي به المسلمين، أن نرد المسلمين إلى الله رداً جميلاً، أن نُمسِّكهم بحقيقة الإسلام، هذا هو واجب المسلمين عامة وواجب الشباب خاصة، الشباب في العصور الأولى لم يكن عليهم مثل ما علينا، علينا الآن أكثر مما كان عليهم، الشباب في تلك العصور نشئوا في ظل الخلافة الإسلامية، وفي ظل أمة واحدة وشريعة محكَّمة، وسيادة من أنفسهم على أنفسهم، أما نحن الآن فنحن في أمة ممزقة وشريعة معطلة، وسيطرة من القوى الأجنبية على ديارنا، وتَحكّم من العلمانيين ـ في معظم العالم الإسلامي ـ في رقابنا، على الشباب أن يحمل همّ الرسالة أن يحمل همّ الأمة، ألا يعيش فارغاً كما عاش غيره، ويل للخلي من الشجي، لابد أن يحمل همّ الأمة ويشعر بالقلق عليها، هذا هو واجب الشباب في عصرنا، لا نريد هذا الشباب المتسكع، الذي لا معنى له ولا قيمة له، والذي يمشي في الطرقات ليعاكس الفتيات، أو الذي يجلس في البيت ليتصل بالتليفونات، هذا شباب فارغ، هذا في ميزان الرجال لا يساوي فلساً، نحن نريد الشباب المؤمن القوي "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" نريد الشباب القوي في فكره، القوي في إيمانه، القوي في أخلاقه، القوي في جسمه القوي في عزمه، في روحه، هذه القوة هي المطلوبة في شبابنا المسلم، نظر عمر بن الخطاب إلى شاب يصلي في المسجد فوجده يطأطأ رأسه ورقبته فقال له "يا هذا لا تُمِت علينا ديننا أماتك الله، ارفع رأسك فإن الخشوع في القلوب وليس الخشوع في الرقاب" ورأت إحدى الصحابيات بعض الفتيان يمشون في الطريق متماوتين، فسألت: ما هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء نُسَّاك أي عُبَّاد، فقالت لهم "لقد كان عمر إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وكان هذا هو الناسك حقاً" كل شيء عنده فيه قوة، إذا تكلم يسمع، وإذا مشى يسرع، وإذا ضرب يوجع، هذا هو الناسك حقاً، نريد من الشباب أن يتمثل هذه القوة، في حياته، وأن يعيش بهمِّ الإسلام ونشر الإسلام، وتعليم الإسلام نريد أن يكون للإسلام رجال كما أن لليهودية رجالاً، أقاموا لها دولة في ديارنا، وكما أن للنصرانية رجالاً يريدون أن ينشروها في العالم، وكما للبوذية وللوثنيات المختلفة الآن أناس ينشرونها في أمريكا وفي الغرب، لماذا لا يوجد للإسلام رجال يبتنون رسالته، ويحتضنون همومه ويعيشون لأمته، هذا هو الذي ينبغي وأول من يجب عليهم هذا هم الشباب أمل الأمة، وعمادها ومستقبلها.

 

قارَّة الإسلام

دخل الإسلام إلى أفريقيا منذ عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول أفريقي دخل في دين الإسلام هو النجاشي ملك الحبشة، الذي أسلم ومات على الإسلام، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة مع أصحابه، ثم دخل الإسلام مصر مبكراً في عهد عمر بن الخطاب، وأنشئ أول مسجد في أفريقيا مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط، أو في مصر القديمة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً وانتشر الإسلام بعد ذلك في شمال أفريقيا، وفي وسطها وفي شرقها وفي غربها، معظم من دخلوا الإسلام في أفريقيا دخلوا مختارين، لم يدخلوا بالسيف في هذا الدين كما يقول الأفاكون من المبشرين وأمثالهم، السيف لا يمكن أن يفتح عقلاً ولكنه يمكن أن يفتح أرضاً، الأرض قد تُفتح ثم بعد ذلك يدخل الناس باختيارهم في الإسلام، والإسلام لا يقبل الإكراه، ولو دخل الإنسان في الدين مكرهاً فإيمانه باطل في الإسلام، كل من دخل في الإيمان بشائبة إكراه، فلا اعتبار لإيمانه، مثل إيمان فرعون، الذي قال عند الغرق (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل)، (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) الذين آمنوا حينما نزل بهم أسس الله يقول القرآن (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت ..)، دخل الناس في أفريقيا الإسلام مختارين، حتى مصر دخل فيها عمرو بن العاص بأربعة آلاف جندي، واستمد عمر فبعث إليه أربعة آلاف أخرى، ثمانية آلاف جندي تحارب الإمبراطورية الرومانية التي ظلت قروناً في مصر، هذا معقول، الشعب المصري كان مؤيداً للمسلمين العرب وكان مرحباً بهم ليزول عنهم الظلم الذي طالما تجرعوه قروناً مضت، دخل الإسلام في أفريقيا وبعض البلاد لم يدخلها جيش قط انتشرت عن طريق رجال الصوفية، وعن طريق التجار ونحو ذلك، وكادت أفريقيا تكون للإسلام خالصة، هي قارة في وقت من الأوقات كانت تعتبر قارة إسلامية خالصة، انتشر الإسلام في شمالها وشرقها وغربها ووسطها، حتى جاء الاستعمار ودخل إفريقيا وحاول أن يغير من طبيعة هذه القارة، من انتمائها، عن طريق التبشير والتنصير والإغراءات الكثيرة لإدخال الناس في النصرانية، إغراء الفقير بالمال، وإغراء الأمِّي بالتعليم، وإغراءات شتى ولكن بقي الإسلام هو الدين الأول من غير شك، هو الدين الذي تؤمن به الأغلبية العظمى الساحقة في هذه القارة. هذه القارة تحتاج من المسلمين إلى رعاية حتى يثبت الإسلام في أبنائها وحتى ينتشر الإسلام في غير أبنائها، وهذا ما يخيف القوى المعادية للإسلام، لماذا يقفون ضد السودان؟ لماذا يكيدون له ذلك الكيد العظيم، ويمكرون به ذلك المكر الكُبَّار، لماذا يبيِّتون له المؤامرات صباح مساء، لماذا يغرون جيرانه بغزوه، إنهم يخافون من انتشار الإسلام عن طريق السودان، السودان هو البلد الوحيد المهيئ ليكون بوابة هذا الدين إلى أفريقيا، فهو عربي إفريقي فيه العروبة، وفيه الإفريقية يستطيع أن يدخل إلى بلاد أفريقيا وهو له جيران عديدون، يستطيع الذهاب من هنا وهناك ليدخل إلى إفريقيا وينشر الإسلام هناك، ولهذا يقفون ضد الإسلام ولكن الله سبحانه وتعالى من وراءهم محيط.

 

مصحف أفريقيا

لقد قامت منظمة الدعوة الإسلامية في هذا البلد منذ سنين طويلة وقبل أن تقوم ثورة الإنقاذ، منظمة الدعوة الإسلامية في الخرطوم، منظمة أفريقية عالمية، تعمل للدعوة إلى الإسلام في كل مكان وخصوصاً في إفريقيا، هذه المنظمة تعمل على تثبيت الإسلام في نفوس المسلمين، وعلى نشر الإسلام بين غير المسلمين، وهي اليوم تتبنى مشروعاً له وزنه وقيمته وتأثيره إنه مشروع "مصحف إفريقيا"، إفريقيا أيها الأخوة المسلمون تحتاج إلى مصحف تقرأه، وهذه القارة دون بقية القارات فيها أربع قراءات، قراءة حفص عن عاصم المشهورة هنا وفي معظم العالم الإسلامي، وقراءة ورش عن نافع وقالون عن نافع، وقراءة الدوري عن أبي عمر، أربع قراءات في هذه القارة، هؤلاء لا يجدون من المصاحف ما يشبع نهمهم ويلبي حاجتهم، تصل إليهم من بعض البلاد الإسلامية آلاف المصاحف ولكنهم يحتاجون إلى ملايين المصاحف، تصوَّروا أن الناس هناك يقطِّعون المصحف أوراقاً أوراقاً، وكل واحد يأخذ عدة أوراق يقرأ فيها، فلا يجدون مصحفاً، بعضهم يؤجِّر المصحف، المصحف يُستأجر، أعطني المصحف بكذا درهماً لأقرأ فيه يوماً أو عدة أيام ثم أرده إليك، وغيره يفعل هكذا لقلة المصاحف، لهذا شعر الأخوة في منظمة الدعوة الإسلامية بهذه الحاجة المُلِّحة، كيف لا يتوفر للمسلمين مصحف يتلون فيه كتاب ربهم، ونحن مأمورون بتلاوة هذا القرآن، هي التجارة التي لن تبور (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "الماهر بالقرآن ـ الذي يتقن تلاوة القرآن ويحسنها ويجوِّدها ـ مع السَفَرة الكرام البررة" مع الملائكة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، أجر التلاوة وأجر التعتعة أي المعاناة والمشقة التي يعانيها وهو يقرأ، هذا كله للحث على تلاوة القرآن وقراءة القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات" لا أقول (الم) حرف وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف، لهذا يحرص المسلمون في كل أنحاء العالم على تلاوة القرآن وخصوصاً في أفريقيا وفي السودان الذي اشتهر بخلاويه القرآنية، عشرات آلاف الخلاوي تعلم الناس القرآن في هذه الخلاوي، ميراث من مواريث هذه الأمة، الخلوة التي تعلِّم القرآن، مثل الكتاتيب عندنا التي تعلِّم القرآن.

إلى أعلى.

علينا أن نمد لهم يد العون

هؤلاء يحتاجون أيها الأخوة إلى مصحف يتلون فيه كتاب الله عز وجل، وأعتقد أن من واجبنا نحن المسلمين أن نوفر لهم هذا وأن نساعدهم على تحقيق هذه الأمنية، أمة الإسلام التي تبلغ ملياراً وثلث المليار من المسلمين تعجز أن توفر لكل مسلم مصحفاً، رفع الأخوة في منظمة الدعوة الإسلامية هذا الشعار "مصحف لكل مسلم في إفريقيا" يجب أن يتيسر لكل مسلم في إفريقيا مصحف يقرأ فيه، وهذا ليس بالكثير إن كتاب الله عز وجل هو موطن عزنا ومناط فخرنا ومصدر هذا الدين الأول، الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، وقد تولى الله تعالى حفظه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومن حفظ هذا الذكر وحفظ هذا القرآن أن يظل قُرَّاءه يتلونه ويحفظونه بالروايات المختلفة والقراءات المختلفة حتى لا تنقرض هذه الروايات، وهناك واجب آخر، واجب نشر ترجمة معاني القرآن باللغات الإفريقية، لا يجوز أن ندع غير العرب من الأفارقة لا يفهمون هذا القرآن، هم يقرؤونه ويحفظونه لكن ينبغي أن نساعدهم على فهم هذا القرآن "خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه" ولا يمكن أن نتعلم القرآن بغير فهم، ولذلك من ضمن هذا المشروع ومن أهدافه أن تُتَرجم معاني القرآن إلى اللغات الإفريقية، المنصِّرون ترجموا الإنجيل بحوالي سبعمائة لغة ولهجة إفريقية، ألا يجب علينا نحن المسلمين أن نسعى في ترجمة معاني كتابنا إلى هؤلاء المسلمين، من أجل هذا أيها الأخوة يجب علينا أن نساعد في هذه المهمة الجليلة، أن نضع أيدينا في أيدي إخواننا في منظمة الدعوة الإسلامية في الخرطوم، وأن نعتبر هذا المشروع مشروعاً لنا، إنه ليس مشروعاً للسودانيين، مشروع كل مسلم، كل مسلم يجب أن يهم لنشر الإسلام في العالم والحفاظ عليه بقراءاته المختلفة، هذه هي الصدقة الجارية، هذا هو العلم النافع، هذا هو الأجر الجزيل الذي يسعى إليه كل مسلم حريص على دينه، ينبغي أن نساعد إخواننا، في الحديث أن مما يخلفه العبد بعد موته مصحفا ورَّثه، أن يورث غيره مصحفاً.

 

تبرَّعوا لهذا المشروع

ساعد أيها الأخ المسلم وساعدي أيتها الأخت المسلمة، ساعدوا جميعاً في إقامة هذا المشروع الجليل، وهذا المشروع يتكلَّف بكل ما يطلبه في مرحلته الأولى خمسة ملايين دولار، مبلغ منها لإقامة المباني، ومبلغ آخر للماكينات، ماكينات الطباعة ومبلغ آخر للمليون الأولى التي تُطبع، هذا كله يحتاج خمسة ملايين دولار، أنا أعتقد أن بعض المسلمين الذين أفاء الله عليهم من فضله يستطيع أن يقول والله أنا أتولى هذا المشروع، أتبناه هذا ما يفعله النصارى، ما يفعله المسيحيون، بعض أغنيائهم الكبار يتبنون مثل هذه المشروعات الكبيرة ولكننا قلما نجد هذا للأسف في ديارنا، فلم يبق إلا أن نتوجه إلى أصحاب الدخل المحدود، أن يتقدموا بجهدهم، الذين لا يجدون إلا جهدهم الذين يلمزون المطوِّعين من المؤمنين في الصدقات، والذين لا يجدون إلا جهدهم القليل يدفعون، وأفضل الصدقة جهد المُقِل، وقد جاء في الحديث "سبق درهم مائة ألف درهم" قالوا: يا رسول الله كيف يسبق درهم مائة ألف درهم؟ قال: رجل عنده درهمان فجاء بأحدهما وتصدق به ـ يعني تصدق بنصف ثروته ـ ورجل عنده مال كثير فجاء بمائة ألف درهم وتصدق بها، أحياناً الدرهم الواحد يسبق مائة ألف درهم، علينا أيها الأخوة أن نمد أيدينا إلى إخواننا، هناك من يقفون بالصناديق لنتبرع لهم نقداً، وهناك من يمكن أن يدفع في حساب هذا المصحف في مصرف قطر الإسلامي، في بنك قطر الدولي الإسلامي، أو في مكتب منظمة الدعوة الإسلامية في الدوحة وهذه لها هواتف موجودة في الصحف تستطيعون الوصول إليها، ومن أراد شيئاً وصل إليه، المهم أن تكون عندنا النية لنُصرة هذا المشروع، أنادي الأخوة والأخوات في قطر الذي يسمعونني الآن أن يمدوا أيديهم لهذا المشروع الإسلامي الجليل ليكون ذلك ذخراً لهم عند الله، وصدقة جارية، كلما قرأ قارئ في مصحف أفريقيا آية من كتاب الله كان لك أجرك حتى ينتهي هذا المصحف.

Publicité
Publicité
كل امرئ يدري مواقع رشده
  • الشاب المسلم هو الذي يؤمن بالله من الشرك أو ما يشابه الشرك, فيعتقد من صميم قلبه أن الله وحده هو المتصرف في الكون, فلا مانع ولا ضار إلا هو, وبهذه العقيدة السليمة يحمي نفسه من أن تلابسها مزاعم مزرية, ويصغر في عينه كل جبار, ويهون عليه احتمال المصاعب, واقتحام
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
Publicité
Archives
Publicité